عباد الله الصالحين و الخاشعين
صفحة 1 من اصل 1
عباد الله الصالحين و الخاشعين
صورمن الخشوع في حياة الصحابة والتابعين |
( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )[ المؤمنون :57-61]
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول يقول : " اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن دعاء لا يُسمع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن علم لا ينفع ، أعوذ بك من هؤلاء الأربع " [ أخرجه الترمذي وقال حديث حسنٌ صحيح ](1)
لقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأوفى للخشوع ، ولغيره من قواعد الإيمان . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة للمؤمنين أبد الدهر . وكان الخشوع سمة بارزة في حياته . كيف لا ؟! وعائشة رضي الله عنها تقول : " كان خلقه القرآن " ! كيف لا ؟! والقرآن تتلى آياته وفيها : (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )[ الأنعام : 163 ]، كيف لا ؟ وكان يقوم الليل حتى تنتفخ قدماه : فعن المغيرة بن شعبـة رضي الله عنه قال : " صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه " . فقيل له أتتكلَّف هذا وقد غُفـر لك ما تقدّم من ذنبـك وما تأخـر ؟! قال : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) [ أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة ](2)
فهو خشوع ممتد في ميادين الحياة كلها :( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ الأنعام : 162]
ولقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلم تلامذته أصحابه الخشوع وأحواله وآدابه . وعلمهم إياها نظرياً وممارسة وتطبيقاً ، حتى كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج امتدت في الأرض تحمل رسالة الله وتعلِّم الناس . وحمل الرسالة من بعدهم التابعون ، وامتدت هذه المهمة العظيمة يحملها أئمة الإسلام مع الدهر كله ، ويظل النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة لهم ولنا وللناس جميعاً .
إنك لتجد الخشوع في حياة هؤلاء الصحابة الأبرار ، والتابعين الأخيار ، والأئمة الأعلام في صلاتهم ونسكهم ، وفي ميادين التجارة والسعي ، وفي البيت والشارع ، وفي ميادين الجهاد ، وفي الحكم والسياسة ، وفي كل ميدان .
فعندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اضطرب صفّ المسلمين حتى قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأنكر موته . لما جاء أبو بكر رضي الله عنه ، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجَّى في بيت عائشة رضي الله عنها ، فكشف عن وجهه وقبّله وقال : " بأبي أنت وأمّي . أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها ، ثمَّ لن تصيبك بعدها موتة أبداً " ! ثمَّ ردَّ الثوب على وجهه وخرج وعمر يكلّم الناس . فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ! أنصتْ ! ثمَّ تكلَّم فأقبل عليه الناس ثمَّ قـال : " أيها الناس من كان يعبد محمداً فإنَّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيّ لا يموت " ، ثمَّ تلا الآية :( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) [ آل عمران :144].
هنا ، في موقف عظيم رهيب ، موقف ينتقل فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، فيضطرب الناس ومن بينهم عمر رضي الله عنه . هنا في رهبة الموت وعظمة النبوّة الخاتمة ، ارتبط قلب أبي بكر بربّه وخالقه ، ووعي حقيقة الإيمان والتوحيد ، واجتمع في قلبه ما تعلّمه من مدرسة النبوّة ، فخشع لربّه وقال كلمة الحق ، وقلبه متصل بالله إيماناً ويقيناً وتوحيداً ، وقلبه يعمره العلم الحق ، فكان الخشوع طمأنينة وتسليماً ! هذا هو الخشوع بين يدي الله سبحانه وتعالى في المواقف الجلية التي تهزّ !
ولا ننسى سمة الخشوع في حياة أبي بكر ، في صلاته ونسكه وتلاوته القرآن الكريم . ولمَّا ازداد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس " فقالت عائشة رضي الله عنها : " إنَّ أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء ..." ! وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل الخشوع والإنابة في صلاته وقيامه ، وفي صحبته للنبوّة الخاتمة ، وفي الفتوح التي دفع جيوش المسلمين لها ، وفي عام الرمادة ، وفي القضاء ، وفي وصاياه للجيوش وقادتها وللولاة . ونأخذ مثلاً من وصاياه للخليفة من بعده :" ..... وأوصيك بتقوى الله وشدّة الحذر منه ومخافة مقته ، أن يطلع منك على ريبة ، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله ، وأوصيك بالعدل في الرعية ، والتفرّغ لحوائجهم وثغورهم ، ولا تؤثر غنيّهم على فقيرهم .. "
وهذا عمر رضي الله عنه ، عندما طُعن في صلاة الفجر ، وبعد أن طُعن ، وهو في أيامه الأخيرة ، ظلَّ ذاكراً لله ، خائفاً منه ، راجياً رحمته ، خاشعاً في كلِّ حالاته ، ينظر في أمور المسلمين ، يُنظم الشورى ليُختار خليفة من بعده .
فلمَّا احتمل وسأل عمّن قتله ، وعلم أنه غـلام المغيرة بن شعبـة ، قال : " الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجّني عند الله بسجدة سجدها له قط " . وبعث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ليستطلع خبر الناس أله ذنـب إلى الناس لم يعلمه . ولما علم أنه ميت ولا شفاء لجرحه ، جمع أهله وقال : ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعذّب الميّت ببكاء أهله عليه ) .
ولمَّا حاول عبد الله بن عباس أن يطمئنه بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبة أبي بكر ، وبما عمل من خير ، وكان مما قاله عند ذاك : ( ..... والله لو أنَّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه ) .
ومما قاله : " ... وما أصبحت أخاف على نفسي إلا إمارتكم هذه " . وقال : " والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها ( أي الإمارة ) لا أجر ولا وزر " .
أيام عمر رضي الله عنه كانت فيما نعلم كلها خشوعاً .
وأيام وفاته كانت كل لحظة فيها دروساً عالية في الخشوع والإنابة ، والخشية والإخبات ، في تفكير دائم ، ونظر دائم ، في أمره وهو يغادر الدنيا ، وفي أمر المسلمين وهو يفارقهم إلى لقاء ربه .
وعثمان بن عفان رضي الله عنه كان مثلاً في الخشوع وخاصة في بذله وإنفاقه . فحين حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على جيش العسرة في غزوة تبوك ، قال عثمان رضي الله عنه : عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها " . ثمَّ حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عثمان : " عليَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد هذا " .
وعن هانئ مولى عثمان قال : كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبلّ لحيته . فقيل له : تذكر الجنَّة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا . فقال إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنَّ القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه . ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه ) [ رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم ]
وحياة علي بن أبي طالب رضي الله عنه تقدّم للبشرية نماذج رائعة من الخشوع في أمره كله : في صلاته وشعائره ونسكه ، في بيته ، في جهاده ، في خلوته ، في لبسه وطعامه . وحسبه أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) .
وأعظم ما يظهر الخشوع فيه صدق أداء الشعائر وعلى رأسها الصلاة ، والجهاد في سبيل الله عن إيمان وعلم وتقوى ، وبذل صادق ، ونهج واضح جليّ ، ودعوة لله خالصة ، وتعهُّد وبناء وإعداد ، وجمع لكلمة المؤمنين الخاشعين ، وإماته الفتنة والتفرّق والشتات . ثم يمضي الخُشوع من الصلاة والشعائر إلى جميع ميادين الحيـاة حتى يبلغ ذروته حين يقدّم المؤمن ماله وروحه في سبيل الله ، حتى كأن الخشوع نهج حياة ممتدة.
فعمر بن عبد العزيز بعد أن ولي أمر المسلمين وأصبح خليفتهم ، ضرب أروع الأمثلة في الخشوع وأغناها . ولما جاء الفقهاء إلى زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان يعزونها بوفاة خليفتهم ، سألوها عن حياته في بيته فقالت : " والله ما كان عمر بأكثركم صلاة ولا صياماً ولكنّي والله ما رأيت عبداً لله قط كان أشد خوفاً لله من عمر " .
وعن سعيد بن جُبير قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى ، يعني عمر بن عبد العزيز ، فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات .
وذكر الإمام الجوزي أن عمر بن عبد العزيز كان كثير البكاء . فلما سئل عن ذلك قال : " إني أذكر منصرف الخلائق بين يدي الله ، فريق في الجنة وفريق في السعير " ثم غشي عليه .
وَأَخْشَـعَ ...! وَالدُّنْيا خُشوعٌ وَأَوْبَـةٌ | وتَسْبيـحُ أَكْـوَانٍ ورَجْـعُ شُــدَاة | |
وَإنَّـكَ تَعْفُـو عن كَثيـرٍ فَنجـنّـي | بعَفْوك...! دُونَ العفْوِ..أَيْنَ نَجَاتـي..! | |
وَهَبْ ليَ يَا رَبّي بِـفَضْـلِكَ رَحْمَـةً | لِتَغْسِـلَ مِنْ إثمي ... ومِنْ سَقَطَاتـي | |
وَهَبْ لِيَ أَمْنـاً يَمْلأُ القَلْـبَ بِشْـرُه | سَكِيْنَـة إِيْمـانٍ ...وَعَـزْمَ ثَبَـاتِ (3) |
وفي التابعين نماذج رائعة شتى من الخشوع الممتد في ميادين الحياة .
دخل ابن عروة على اصطبل الوليد ليتفرج على جياده الصافنات . فرمحته دابّة رمحة قاضية أودت بحياته . ولم يكد عروة ينفض يديه من دفن ولده ، حتى أصابت إحدى قدميه الآكلة (داء يصيب العضو فيأكل منه ) فتورّمت ساقه واشتدّ الورم بسرعة مذهلة . وأجمع الأطباء على ضرورة بتر ساقه قبل أن يمتد الورم إلى جسده كله فيقضي عليه . ورفض أن يأخذ مسكراً أو مخدراً ، أو أن يمسك به الرجال ليثبتوه إن اشتدّ به الألم عند بتر ساقه . رفض ذلك كله وقال : لا حاجة لي بذلك ، وإني لأرجو أن أَكفيكم ذلك بالذكر والتسبيح . فقطع الطبيب اللحم ، ثم طفق ينشر العظم بالمنشار ، وعروة يقول : لا إله إلا الله ، الله أكبر ، وما فتئ الجراح ينشر وعروة يهلل ويكبر .. ! ثم أُغلى الزيت في مغارف الحديد ، وغُمُستْ به ساق عروة لإيقاف تدفّق الدماء ، ولحسْم الجراح ، فأُغْمِيَ عليه إغماءة طويلة حالت دونه ودون قراءة حصته من كتاب الله ذلك اليوم وكانت المرة الوحيدة التي فاته فيها ذلك الخير منذ صدر شبابه .
وعبد الله بن عون (ت 51هـ) ، كان مثلاً يحتذي في التابعين . قال عنه روح بن عبادة : " ما رأيت أعبد من ابن عون " . وقال ابن المبارك : ما رأيت مصلياً مثل ابن عون . كان ورعاً مترفعاً عن الدنيا ، حابساً للسانه ، حليماً ، زاهداً خاشعاً مخبتاً لله مجاهداً في سبيل الله "(4) .
الخشوع لا يتوقف عند حدٍ ، إنه ليس سمة فرد فحسب ، ولا سمة أمة فحسب . إنه سمة الكون كله ، سمة السموات والأرض ومن فيهن ، والخشوع في ميزان الإسلام لا ينحصر في هذه الحياة الدنيا ، ولا ينحصر في حياة الإنسان المؤمن . إنه يمتد لجميع أرجاء الكون ، ويمتد كذلك إلى الآخرة :
( لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الحشر :21 ]
يقف المؤمن مع هذه الآية الكريمة يتدبر كيف أن الجبل يخشع من خشية الله . هذه هي الخشية الصادقة التي تبعث الخشية في الجماد ، في الجبال . وتكون هذه الخشية وهذا الخشوع صادقين حتى أن الجبل يتصدّع ! كيف لا ؟! وكل شي في الكون من إنسان أو حيوان أو طائر أو جماد يسبح بحمد الله :( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ فصلت :39]
عجباً ؟! أتخشع الأرض والسموات و الجماد والحيوان ولا يخشع الإنسان؟! إن الذين لا يخشعون لله من بني آدم كتب الله عليهم هذا الهوان والذلّ ، لأنهم يستحقونه بميزان الله الحق العادل الذي لا يظلم .
ومن رحمة الله على عباده أن بعث محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ليبلغ الرسالة من ناحية وليبيّنها لهم من ناحية أخرى ، وليقدّم الأسوة الحسنة في التطبيق والممارسة لمنهاج الله من ناحية ثالثة . ثلاث مهمات مترابطة للنبوة . وتكون ممارسة النبوة لمنهاج الله هي المثل الأكمل للممارسة الإيمانية تتعلم البشرية كلها منها .
واجبنا إذن ، من واجب الدعوة الإسلامية ، من أول واجباتها ، أن تعلم المسلم مسؤولياته وواجباته والتكاليف المنوطة به ، وأن تدربه على النهوض لها وممارستها وفق منهج واضح جلي ، حتى لا يبقى المسلم إمعة مشلول القوى ، معطل التفكير !
كيف يأتي الخشوع الحق للمسلم إذا كان مشلول القوى ، معطل التفكير حانياً رأسه في الصلاة وخارج الصلاة ، مغمض العينين في الصلاة وخارج الصلاة ، عازفاً أو غارقاً في لهوة أو غفوته .
والخشوع ليس عملاً ليناً يسيراً . إنه معاناة في النفس ، وصبر على طاعة الله ، وصبر على الابتلاء ، وبذل وجهاد ، ومجاهدة للنفس ومقاومة الأهواء ، وعمل دائب مستمر لا ينقطع . إنه ليس خلوداً لراحة ، والكسل ، ولا استسلاماً للهوان ولا هروباً من التكاليف الشرعية ، ولا اللجوء إلى التكاليف غير ذات الشوكة ، ولا الانغماس في الوهم والخيال ، ولا بنقض العهود وخيانتها .
خَشَعْـتُ إلـى الرحمن جَفْنـاً مُبلَّـلاً | وكَفّـاً نَـدِيّـاً ضَـارعَ الـرَّعشـاتِ | |
وقَلْبـاً .. بِهِ مِنْ خَشْيَـةِ الله رَجَفَـةٌ | ومِـنْ ذِكْـرِه أمْـنٌ وظَـنٌّ نَجاتـي | |
وَعَوْنٍ مِنَ الرّحمن ، لولاهُ ما اهْتَدى | فُـؤَادٌ وَلا نَـال الفَـتَـى حَسَنَـاتِ | |
إذا نِلْـتُ مِنْ خَيْـرٍ فَـذَلِـكَ فَضْلُـهُ | وَإِنْ مَسَّني سُـوءٌ فَمِـنْ عَثَـراتـي | |
أتُوبُ إلى الرَّحمن ..! يَا فَوْزَ تَائِـبٍ | إذا وَسِعَـتْـهُ رَحْمَـةٌ بِـنَـجَـاةِ ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]) |
وخلاصة ذلك أن الخشوع هو إقبال المؤمن على ربّه إقبال الخضوع والذلة والإقرار أمام جلال الإلوهية والربوبية ، وأمام الإقرار بعبودية المخلوق لربه وخالقه الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى كلها ، وأمام إدراك حقيقة الحياة الدنيا ، وأنَّها دار متاع وعرض زائل ، وأمام حقيقة الموت والقبر والساعة والبعث والحساب والجنة والنار ، وأمام المسؤولية الكبرى التي يحملها ، والأمانة العظيمة التي سيحاسب عليها .
إن الخشوع نور ووعي ويقظة . بل هو أعلى درجات الوعي واليقظة وإدراك الحق .
عن الخشوع في السيرة النبوية العطرة ..
حديث ابن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عينان لا تمسهما النار عين بكت في جوف الليل من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " .
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يلج ـ أي لا يدخل ـ النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار سبيل الله ودخان جهنم " .
قال الله سبحانه وتعالى : وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين , إن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة , وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة .
يا ربّ! فاهـدِ قلـوبَ المسلمين إلى | هُـداكَ صفّـاً إلى الميـدان يبتـدرُ | |
يجلو لنا النَّصْر في سَاحاتـه أمـلاً | تحقّقَـتْ فيـه من أَشواقنـا العِبَـرُ | |
آياً من الله ! إذ يمضي الزمان بهـا | يروي فيصغـي إلى آياتهـا البشـرُ | |
في أُمّـةٍ لم تـزل تبنـي بطولتهـا | مجـداً يعِـزُّ وفرسانـاً لها نَفَـرُوا | |
رسـالـة الله للـدنيـا نُبَلـِّغُـهـا | أمـانـة حَمَلتْهـا الأنفـسَ الصَبُـر | |
كأنَّهم في الدجى الأقمارُ قد طلعـتْ | تزيـح من ظلمة فيـه وتنتشِـرُ (6) |
ومن أهم معاني الخشوع المضيّ على الصراط المستقيم يوفي العبد بعهده مع الله ، وبالتكاليف المنوطة به ، نظره معلق بالآخرة لا بالدنيا ، لا يهبط بالمعاني التي يزينها له الشيطان أبداً .
(1) الترمذي : كتاب الدعوات (49) . باب (69) . حديث (93478) .
(2) البخاري : كتاب التهجد (19) ، باب (6) ، حديث (1130) . مسلم : كتاب (50) ، باب (18) حديث (2819) . الترمذي : كتاب أبواب الصلاة (2) ، باب (192) ، حديث (412) .
(3) من ديوان : جراح على الدرب ـ قصيدة : دُعَاء في جَوف اللَّيل ودَمْعَةٌ ـ للدكتور عدنان علي رضا النحوي .
(4) ومضات من حيات العلماء العباد ـ ربيع بن محمد السعودية . ط1(1413هـ /1993م) .
(5) من ديوان جراح على الدرب ـ قصيدة : نَجْوَى في خُشوعٍ وتَوْبة ـ للدكتور عدنان علي رضا النحوي .
(6) من كتاب : فلسطين وصلاح الدين ـ قصيدة : أيقِظْ إذنْ أنْفساً ـ للدكتور عدنان علي رضا النحوي .
الكتكوتة شمس47- عدد المساهمات : 66
نقاط : 167
الكفاءة : 0
تاريخ التسجيل : 04/08/2009
مواضيع مماثلة
» هااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااي
» أروع المناظر
» الفرق بين انشاءالله و إن شاء الله
» نوادر
» الحب في الله
» أروع المناظر
» الفرق بين انشاءالله و إن شاء الله
» نوادر
» الحب في الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى